التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ترجمة: الصهباء الجميلة - أبولينير

 



ها أنا أمام الجميع رجل مليء بالمعنى

عرف الحياة وعن الموت ما يمكن أن يعرفه رجل حي

مرّ بأوجاع وأفراح الحب

عرف كيف يفرض أفكاره بعض المرّات

عرف عدّة لغات

سافر مرّات عديدة

جُرحَ في الرأس وثُقبت جمجمته تحت تأثير البِنج

فقدَ أعزّ أصحابه في الحرب الفظيعة

أعرف من القديم والجديد بقدر ما يعرف رجل وحيد

من الأمرين

ومن دون أن أقلق اليوم من هذه الحرب

بيننا ومن أجلنا يا أصدقائي

أحكُم على هذه الخصومة الطويلة بين التقليد والإبتكار

                                 بين النظام والمغامرة

***

أنتم الذين صُوِّر فمكم على صورة فم الرّب

فمٌ هو النظام نفسه

كونوا متسامحين عندما تشبّهونا

بأولئك الذين شكّلوا كمال النظام

نحن الذين نبحث عن المغامرة في كل مكان

***

نحن لسنا أعدائكم

نحن نريد أن نمنح لأنفسنا ميادين واسعة وغريبة

حيثُ يهِب اللغز المُزهِرُ نفسه لمن يريد قطفه

يوجد هنا نيران جديدة ألوان لم تُرى من قبلُ

ألف خيالٍ مخفي

يجب أن نُجَسّده

***

نريد أن نستكشف الطيبة تلك الرُقعة الشاسعة حيث يصمُت كل شيء

هنالك أيضاً الوقت الذي يُمكننا طرده أو جعله يعود

رحمة بنا نحن الذين نُحارب دوماً على تخوم

اللامحدود والمستقبل

رحمة بأخطائنا رحمة بذنوبنا

***

ها هو الصيف يأتي الفصل العنيف

وشبابي قد مات مثل الربيع

أيتها الشمس لقد صار وقت الحكمة المضطرمة

                                وأنتظرُ

حتى أتبعها دائماً تتخذّ

شكلاً نبيلاً وناعماً حتى أحبّها فقط

هي تأتي وتجذبني مثلما يفعل مغناطيس بالحديد

لها المظهر السّاحر

لصهباء فاتنة

***

شعرها من ذهب كأنّه

برق جميل يدوم

أو تلك الشعلات المتموجة

في زهور الشاي الذابلة

***

اسخروا مني

يا بشراً من كل مكان وخاصة أهل هذي البلاد

لأنه هناك الكثير من الأشياء التي لا أجرؤ على قولها لكم

الكثير من الأشياء التي لن تتركوني أقولها

فارحموني.

 

 

صدرت في العدد الخامس من مجلة "L’éventail" في 15-03-1918، ليضمّنها لاحقاً ديوانه الثاني الشهير "كاليغرام" الذي صدر شهراً بعد ذلك وضمّ قصائده بين عامَي (1913-1918)، وتكون آخر قصيدة في الديوان. القصيدة مستوحاة من جاكلين كولب، التي سيتزوّجها الشاعر بعد ذلك.

 

ترجمها عن الفرنسية: صلاح باديس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا نبقى في الجزائر؟ لماذا نترك الجزائر؟ وحوارات أخرى

  يوميات سبتمبر/ خريف 2021 - منذ قرون واليأس يوصف كمرض، ولمداواته كان الأطباء يصفون السفر كعلاج، وحسب ما نراه في بلدنا خلال الأشهر الأخيرة من هجرة متزايدة نظامية وغير نظامية، ولأن الأغلبية الساحقة لا تستطيع السفر، لأسباب تتعلق بمحدودية التحرك لدى شعوب الجنوب من جهة وبسبب الدخل الفردي المنخفض من جهة ثانية.. فإن الناس تختار المنفى. "اليأس مرض، يُمكن مداواته بالسفر، ولأن السفر ليس في متناول اليد، يختار الجزائريون المنفى الطوعي". منذ أسابيع وأنا أودّع صديقات وأصدقاء، حتى أنّ هذه الفترة من انقلاب الصيف إلى خريف صارت تُعرف في حياة الواحد "بموسم الهجرة نحو الشمال". سؤال يتكرّر حتى ما عاد يُسمع "وأنت متى تُغادر؟"، كنتُ قد طوّرتُ مع صديق -منذ سنوات- سلسلة أجوبة على السؤال، نسوقها للراغبين في السماع، لماذا لا نُهاجر.. احترفنا الجواب على هذا السؤال حتى ما صار له معنى. ثم كُن حريصا وأنت تُجيب فهناك هجرة الولد وهجرة البنت، والجزائر التي تنزف الآلاف من بناتها كل عام ليست تساعدهن على المعيش فيها، فإن سُقتَ أسبابك -وأنت الرجل- تأكد أنها لن تكون مُقنعة، أو على الأقل بعضها،

بيان حركة "خارج الحجم" حول الأدب والتماسف الاجتماعي

                                                             (خريطة الإدريسي)                                                                      أولوية الجغرافيا على التاريخ. أولوية الخريطة على الشهادة. هذا هو مفتاحنا. على تضاريس الجغرافيا نفرشُ نصوصنا وقصصنا، ونمدّ ونشُدُّ جملنا ونختبرها. التاريخ هو مصران هذا العالم وكل ما يدخله يخرج خراءً أو غازات. اتركوا التاريخ وافتحوا عيونكم وآذانكم على الجغرافيا. الخرائط تمتّد في الأرض والأجساد والحكايات والأصوات، الخرائط هي الماضي والحاضر والمستقبل، من المدن للصحراء مرورا بسلاسل الجبال. القصّة هي خريطة تبحثُ عن مفتاحها، على الكاتب أن يفكّ مفاتيح الخرائط ويكتبها. بدل تضييع وقته في لعب دور قاضي الموتى ضدّ موتى آخرين. على الأرض، وفوق الصخور، يعيش البشر. وليس في الحملات التوعوية لمصالح الأمن ولا في كتب التاريخ المدرسي ولا في نشرات الأخبار الرسمية ولا في المذكرات التاريخية الرديئة، التي تُصدرها دور النشر الرديئة التي ترضع من الرّيع، في نفس الوقت الذي تطمح فيه أن تُعوِّض الرواية الرسمية. لا نُعوِّض التاريخ الانقلابي بتاريخ انقلابي

النّيف: قصّة قصيرة عن الشكوى والكرامة في الجزائر

(كُتِبت هذه القصة الواقعية في ديسمبر 2020 بعد نزع الكمامة وتعليقها بمقبض النافذة وتعقيم اليدين بالكحول..) أقف أمام الصرّاف الآلي لمركز بريد بلدية حيدرة، في أعالي العاصمة، ومن حولي يقف مواطنون في عمر التقاعد، ننظر جميعنا إلى الرجل الذي ابتلع الصرّاف الآلي بطاقته.    يسأله أحدنا: هل هناك مشكلة؟ ربما لا يوجد مال داخل الصرّاف؟  يُشير الرجل إلى الذي سبقه، يقول أنّ الآلة ابتلعت بطاقته أيضا، رغم أنهما لم يخطآ في الرقم السرّي، والبطاقة لم تنته صلاحيتها بعد.  يبدأ أحد الواقفين في الكلام والتذمّر، يردّد كلمات عن "العجب"، يقول أننا صرنا نتعجّب من تعجّبنا. يغمغم النّاس من حولي.  كنت مع صديقي، ننتظر كلانا أن نسحب مالا. نقول أننا لن نخاطر، ونعرض على المرأة التي خلفنا التقدّم إذا ما أرادت. بدت أنها مستعجلة وبلا نقود، فقرّرت المخاطرة. في حين دخل الضحيتان إلى مركز البريد، لاسترجاع بطاقتيهما المستقرتان في البطن الحديدي للآلة. تنجح المرأة في سحب النقود فنتشجع أنا وصديقي ونلحق بها، فنسحب نقودنا وسط حيرة الجميع. أرجع للرجل المشتكي، كان ينتظر دوره لدخول مركز البريد.  فيواصل: - لم نعد نتعجّب من أي