التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دروج محمد بودية

 مستمعي مستمعات إذاعة كورونا الدولية مسلخير عليكم

كي عرفت بلي العدد الجاي راح يكون على انقلاب 19 جوان 65، فكّرت وش نقدر نقول؟ هل ندير حاجة على الجزائريين اللي يعتبرو التاريخ هذا دخل البلاد في حيط... ولا على الناس اللي كانت تشوف ببلي سلكنا من الحيط... ولا نهدر على الناس اللي صوطات فوق هذا الحيط وقاومت، خاصة أنّنا محتاجين في قراءتنا للتاريخ نركزو على "المقاومات" أكثر من "الحشوات"...


إيمالا هيا نبداو:
كنت نخدم ف حانوت في ديدوش مراد. الخدمة كانت عاجبتني، بصّح ما كنتش نتفاهم مع المعلّم.
آلجي ف الصيف خالية، يدورو فيها غير اللي ما عندهم وين يروحو. كل ما توصل الطناش كنت ندّي pause باش نفطر، نشري سندويتش ونبعّد على المحل. كنت نمشي حتى rue burdeau ومن ثم نمشي 200 ميترة ونطلع دروج صغار وعاليين على ليسرَة، يخرجوني لفوق في بولفار محمد الخامس.
نقطع الطريق، ونريح ف دروج كبار وواسعين، يخرجوك لفوق ف التيليملي.. بصّح أنا كنت نقعد لتحت، وين نقدر نكابتي نسمة صحيحة ف الظل... ونفطر ونخمم وقتاش نحبّس خدمة.
فاتوا أيامات وأنا هكا.. حتى واحد النهار رفدت راسي وقريت اسم الدروج: "محمد بودية" ! موراها بشي يامات حبّست الخدمة. والحياة بعدتني على الدروج هذوك، من بعد قربتني... بصّح ما نيستش السخانة تاع هذا الصيف، وين –بلا ما كنت نعرف- كان عندي رونديفو مع بودية، كل يوم ع الطناش.
-
حكاية بودية ما بداتش في صيف الانقلاب... بودية زاد ف سوسطارة، ف 32، تربى وسط الهزّية ودخل للحبس صغير... ما كملش قرايتو... وكي خرج منه دخل في جمعية تاع مسرح... ومع الجمعية قدر يسافر ويشوف ناس من العالم ويحتك بيهم ويزيد اهتمامه للمسرح... كي ناضت الثورة بودية التحق بيها... وطلع لفرنسا باش يشارك كفدائي في الفرق الخاصة... بودية كان يطرطق ديار وشركات ومصانع... يصفّي شخصيات... وفي عام 56 طرطق مخزن تاع بترول في مرسيليا... وشدّوه في 58 وحكمو عليه 20 سنة حبس... جوّز منهم ثلاث سنين... وفي الحبس كتب زوج مسرحيات وشكّل فرقة تاع مسرح كان يترجم مسرحيات موليار للدارجة باش يلعبوها للمحابسية... كان عنده جمهور فيه 1000 متفرج، ألف محابسي دزيري.. عام 61 بودية منشر الحديد تاع الحبس وسوطا فوق السور وفحّت... جابها في باريس من بعد هبط لتونس... تلاقى بالفرقة الفنية تاع الافالان ودخل لدزاير في الصيف تاع الاستقلال...
دزاير كانت مخلطة... مشي غير بين GPRA وجيش الحدود... كي تقرا الجرانن تاع هذاك الوقت تصيب الغاشي قاع كان حاب يدير انقلاب ويهدر باسم الشعب... bien sur ربحو اللي عندهم السلاح ورجع بن بلة رئيس... بودية في هذاك الوقت كان حاب مع مصطفى كاتب يخلقوا المسرح الوطني ومعهد للفنون الدرامية... دخل في علاقة مع بن بلة وقرّر مادام بن بلة راه يوعد بالتسيير الذاتي والاقتصاد الاشتراكي خلّي نشوفوه واش راح يدير... ما بين 62 و 65 بودية كتب بزاف نصوص ومقالات، وجاب رفاق جزائريين وأوروبيين باش يطورو معاه المسرح... ودخل في معارك ثقافية حول الجزائر المستقلة ونوع الثقافة اللي يلزم انتاجو... وكاين ناس تحكي بلّي بودية خطرة زدم على بن بلة وحطلو السلاح فوق الطابلة باش يعطيه ميزانية للثقافة...
جوان 65: بومدين ينقلب على بن بلة ويحطو ف الحبس... بزاف ناس اليوم تقعد تقولك بومدين انقلب وهلك دزاير... ناس يقولك الانقلاب كان في 62... بودية ما يقولش لو كان يا لو كان... بودية شاف بلي انقلاب بومدين هو انقلاب على خط سياسي واقتصادي ورايح يكرّس لبيروقراطية البورجوازية الصغيرة اللي تحكم البلاد وتبعّد الشعب على وسائل الانتاج... فأسّس مع شوية معارضين ما يعرف بالـ ORP (منظمة المقاومة الشعبية) واللي ما عاشتش بزاف... بين جوان وجويلية أغلب المؤسسين طاحوا ف الفخ: حسين زهوان، محمد حربي، بشير حاج علي.... قاع دخلو للحبس وتعذبو وبقاو ف اقامة جبرية دامت سنوات... بودية هرب، لعنابة ومن ثم لتونس ومنها لفرنسا... لحق لباريس عاود أكتيفا الريزو القديم تاعو ورجع للنضال... موراها بشوية L’ORP تقسمت... تأسس حزب الطليعة الاشتراكي PAGS وقرر من سنة 66 أنه يعترف بحكم بومدين... بودية كان معارض لهذا الشي وأسس مع ناس كيما مراد بوربون وآخرين في باريس ما يعرف بالـ RUR (التجمع الوحدوي للثوريين)... وهنا بدات حياة بودية الجديدة.
في باريس، بودية دبّر خدمة في مسرح صغير... كانت غطاء لنشاطاته الثورية مع جماعة RUR... وأصدروا جريدة صغيرة سمّوها الميثاق (LA CHARTE)... بودية كان يخمّم وينتج فكر سياسي وهو في قلب الفعل والمقاومة، بودية كان une pensée en mouvement، وبعد نكسة 67 مع إسرائيل اتصل بودية بعدد من القيادات الفلسطينية ف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تاع جورج حبش... وبدا يخدم معاهم... بالنسبة ليه كانت ثورات المنطقة، وعلى راسها الثورة الفلسطينية امتداد للثورة الجزائرية والنضال اللي كان يقود فيه من باريس... بودية خدم مع الفلسطينيين أشهر عمليات التفجير والاغتيال واختطاف الطائرات، حتى رجع هو المسؤول الأول عن العمليات الخاصة في أوروبا... سواء كمنفّذ مع جماعته من الدزيريين ولاّ كان يخدم معاهم اللوجستيك، كيما مثلا في عملية المناضلة ليلى خالد اللي خطفت طيّارة ماريكانية كانت رايحة لتل أبيب وداتها لدمشق.
ومور "سبتمبر الأسود" اللي تقتل فيه مئات الفلسطينيين في الأردن، المنظمة ضاعفت من عملياتها وبدا يخرج اسم بودية خاصة في محاولة اغتيال السفير الأردني في لندن... بودية تاني كان مسؤول على تفجير مصفاة بترول في هولندا وبايبلاين إسرائيلي ف الطاليان... موراها بشوية جات عملية ميونيخ الشهيرة عام 72، وين خطفو الفلسطينيين وفد رياضيين اسرائيليين يشاركوا في الألعاب الأولمبية... موراها صار اسم بودية على رأس قائمة المطلوبين... حتى تطرطقت بيه طونوبيلته الـ R16 صباح 28 جوان 73 في باريس.
-
دزاير جبل صغير، رايحة بالطول مشي بالعرض... كل ما تطلع لفوق تقرّب للـ pouvoir... وهذي هي الطريق اللي مشاها الحراك ف الأول... نشفى في ثالث ولا رابع جمعة، وكي قريب تخلاص المسيرة تخلطت ف التيلميلي... قدام حديقة بيروت... ولولاد اللي كانوا الفوق تحصروا بين deux cordons تاع لابوليس... ماكاش وين تهرب ! سيرتو كي ما تكونش تعرف لبلاصة... حتى بانتلهم –فجأة- طريق، هربة، دروج واسعين وطوال يهبطو لتحت... عشرات المتظاهرين هربوا من الدروج وسلكوا من القزول والحبس... الدروج هذوك وسمهم... محمد بودية... بودية اللي ديما يفتح البيبان... ويهرّب الناس باش يبداو من جديد...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا نبقى في الجزائر؟ لماذا نترك الجزائر؟ وحوارات أخرى

  يوميات سبتمبر/ خريف 2021 - منذ قرون واليأس يوصف كمرض، ولمداواته كان الأطباء يصفون السفر كعلاج، وحسب ما نراه في بلدنا خلال الأشهر الأخيرة من هجرة متزايدة نظامية وغير نظامية، ولأن الأغلبية الساحقة لا تستطيع السفر، لأسباب تتعلق بمحدودية التحرك لدى شعوب الجنوب من جهة وبسبب الدخل الفردي المنخفض من جهة ثانية.. فإن الناس تختار المنفى. "اليأس مرض، يُمكن مداواته بالسفر، ولأن السفر ليس في متناول اليد، يختار الجزائريون المنفى الطوعي". منذ أسابيع وأنا أودّع صديقات وأصدقاء، حتى أنّ هذه الفترة من انقلاب الصيف إلى خريف صارت تُعرف في حياة الواحد "بموسم الهجرة نحو الشمال". سؤال يتكرّر حتى ما عاد يُسمع "وأنت متى تُغادر؟"، كنتُ قد طوّرتُ مع صديق -منذ سنوات- سلسلة أجوبة على السؤال، نسوقها للراغبين في السماع، لماذا لا نُهاجر.. احترفنا الجواب على هذا السؤال حتى ما صار له معنى. ثم كُن حريصا وأنت تُجيب فهناك هجرة الولد وهجرة البنت، والجزائر التي تنزف الآلاف من بناتها كل عام ليست تساعدهن على المعيش فيها، فإن سُقتَ أسبابك -وأنت الرجل- تأكد أنها لن تكون مُقنعة، أو على الأقل بعضها،

بيان حركة "خارج الحجم" حول الأدب والتماسف الاجتماعي

                                                             (خريطة الإدريسي)                                                                      أولوية الجغرافيا على التاريخ. أولوية الخريطة على الشهادة. هذا هو مفتاحنا. على تضاريس الجغرافيا نفرشُ نصوصنا وقصصنا، ونمدّ ونشُدُّ جملنا ونختبرها. التاريخ هو مصران هذا العالم وكل ما يدخله يخرج خراءً أو غازات. اتركوا التاريخ وافتحوا عيونكم وآذانكم على الجغرافيا. الخرائط تمتّد في الأرض والأجساد والحكايات والأصوات، الخرائط هي الماضي والحاضر والمستقبل، من المدن للصحراء مرورا بسلاسل الجبال. القصّة هي خريطة تبحثُ عن مفتاحها، على الكاتب أن يفكّ مفاتيح الخرائط ويكتبها. بدل تضييع وقته في لعب دور قاضي الموتى ضدّ موتى آخرين. على الأرض، وفوق الصخور، يعيش البشر. وليس في الحملات التوعوية لمصالح الأمن ولا في كتب التاريخ المدرسي ولا في نشرات الأخبار الرسمية ولا في المذكرات التاريخية الرديئة، التي تُصدرها دور النشر الرديئة التي ترضع من الرّيع، في نفس الوقت الذي تطمح فيه أن تُعوِّض الرواية الرسمية. لا نُعوِّض التاريخ الانقلابي بتاريخ انقلابي

النّيف: قصّة قصيرة عن الشكوى والكرامة في الجزائر

(كُتِبت هذه القصة الواقعية في ديسمبر 2020 بعد نزع الكمامة وتعليقها بمقبض النافذة وتعقيم اليدين بالكحول..) أقف أمام الصرّاف الآلي لمركز بريد بلدية حيدرة، في أعالي العاصمة، ومن حولي يقف مواطنون في عمر التقاعد، ننظر جميعنا إلى الرجل الذي ابتلع الصرّاف الآلي بطاقته.    يسأله أحدنا: هل هناك مشكلة؟ ربما لا يوجد مال داخل الصرّاف؟  يُشير الرجل إلى الذي سبقه، يقول أنّ الآلة ابتلعت بطاقته أيضا، رغم أنهما لم يخطآ في الرقم السرّي، والبطاقة لم تنته صلاحيتها بعد.  يبدأ أحد الواقفين في الكلام والتذمّر، يردّد كلمات عن "العجب"، يقول أننا صرنا نتعجّب من تعجّبنا. يغمغم النّاس من حولي.  كنت مع صديقي، ننتظر كلانا أن نسحب مالا. نقول أننا لن نخاطر، ونعرض على المرأة التي خلفنا التقدّم إذا ما أرادت. بدت أنها مستعجلة وبلا نقود، فقرّرت المخاطرة. في حين دخل الضحيتان إلى مركز البريد، لاسترجاع بطاقتيهما المستقرتان في البطن الحديدي للآلة. تنجح المرأة في سحب النقود فنتشجع أنا وصديقي ونلحق بها، فنسحب نقودنا وسط حيرة الجميع. أرجع للرجل المشتكي، كان ينتظر دوره لدخول مركز البريد.  فيواصل: - لم نعد نتعجّب من أي